منتدى المعارف للدروس المفرغة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:18 am

توحيد الربوبية: هو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير، وتوحيد الإلهية: هو إفراد الله تعالى بالعبادة، فلا يتقرب إلى غيره بأي نوع من أنواع العبادة، أما توحيد الأسماء والصفات فهو إفراد الله تعالى بما سمى ووصف به نفسه في كتابه أو سماه ووصفه به رسوله صلى
أنواع التوحيد
المقدم: نود في بداية لقائنا هذا أن نعرف ما هي أنواع التوحيد مع التوضيح والأمثلة لذلك؟الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أنواع التوحيد بالنسبة إلى الله عز وجل تدخل كلها في تعريف عام، وهو: إفراد الله سبحانه وتعالى بما يختص به، وهي ثلاثة أنواع:
توحيد الربوبية
توحيد الربوبية: وهو إفراد الله تعالى في الخلق والملك والتدبير، فالله تعالى وحده هو الخالق لا خالق سواه، قال الله تعالى: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [فاطر:3] ، وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] ، فالله تعالى وحده هو الخالق، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً؛ ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالقٌ لأفعال العباد، كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96] ، ووجه ذلك: أن فعل العبد من صفاته والعبد مخلوقٌ لله، وخالق الشيء خالقٌ لصفاته.ووجه آخر: أن فعل العبد حاصلٌ بإرادةٍ جازمة وقدرةٍ تامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالق للمسبب، فإذا قلت: كيف نقول: إن الله تعالى منفردٌ في الخلق مع أن الخلق قد يثبت لغير الله كما يدل عليه قول الله تعالى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين: (يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)؟ فالجواب على ذلك: أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله، فلا يمكنه إيجاد معدوم ولا إحياء ميت، وإنما خلق غير الله سبحانه وتعالى يكون بالتغيير، فتحويل الشيء من صفةٍ إلى أخرى وهو مخلوقٌ لله عز وجل، فالمصور مثلاً إذا صور صورة فإنه لم يخلق شيئاً، بل غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء، كما يحول الطين إلى صورة طير أو إلى صورة جمل، وكما يحول الرسام الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة، والمداد كله من خلق الله عز وجل، والورقة البيضاء أيضاً من خلق الله عز وجل، فهذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة إلى الله عز وجل، وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق، وعلى هذا فيكون الله تعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به. ثانياً: من توحيد الربوبية: إفراد الله تعالى بالملك، فالله تعالى وحده هو المالك، كما قال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1] ، وقال تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون:88] .فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية، فقد أثبت الله تعالى لغيره الملك، كما في قوله تعالى: أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ [النور:61] ، وقوله تعالى: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون:6]، وما أشبه ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً، لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل، فهو ملكٌ قاصر وملك مقيد: ملك قاصر لا يتعدى، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد، ثم هذا الملك مقيد بحيث لا يفترض الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه؛ ولهذا ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال )، وقال الله تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا [النساء:5] ، وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملكٌ قاصر وملك مقيد بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى، فهو ملكٌ عامٌ شامل، وملكٌ مطلق يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء، و لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].الركن الثالث من أركان توحيد الربوبية: أن الله تعالى منفردٌ بالتدبير، فهو سبحانه وتعالى الذي يدبر الأمر ويدبر الخلق، يدبر أمر السموات والأرض، كما قال الله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف:54]، وهذا التدبير تدبيرٌ شامل، لا يكون دونه شيء ولا يعارضه شيء، والتدبير الذي يكون في بعض المخلوقات كتدبير الإنسان أمواله وغلمانه وخدمه وما أشبه ذلك هو تدبيرٌ ضيق محدود ومقيد وغير مطلق، فظهر بذلك صحة قولنا: إن توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بالخلق والملك والتدبير، فهذا هو توحيد الربوبية.
توحيد الألوهية
أما النوع الثاني: فهو توحيد الألوهية: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم، واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم وأرضهم وديارهم، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت فيه الكتب مع أخويه: توحيد الربوبية والأسماء والصفات، لكن أكثر ما يعارض الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد وهو توحيد الألوهية، بحيث لا يثبت الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى، لا لملكٍ مقرب، ولا لنبيٍ مرسل، ولا لوليٍ صالح، ولا لأي أحدٍ من المخلوقين؛ لأن العبادة لا تصح إلا لله عز وجل، ومن أخلّ بهذا التوحيد فهو مشركٌ كافر، وإن أقر بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات، فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات لكن يعبد مع الله غيره لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، لو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه، أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه، فإن هذا مشركٌ كافر خالدٌ في النار، قال الله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحلّ دماءهم وأموالهم وسبى ذريتهم ونساءهم وغنم أرضهم، كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق لا يشكون في ذلك، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال.
توحيد الأسماء والصفات
أما النوع الثالث من أنواع التوحيد فهو توحيد الأسماء والصفات: وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فلا بد من هذا من الإيمان بما سمى الله به نفسه، ووصف به نفسه على وجه الحقيقة لا المجاز، ولكن من غير تكييفٍ ولا تمثيل.وهذا النوع من أنواع التوحيد ضل فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة الذين ينتسبون إلى الإسلام على أوجه شتى:منهم من غلا في النفي والتنزيه غلواً يخرج به من الإسلام، ومنهم من متوسط، ومنهم قريبٌ من أهل السنة.ولكن طريق السلف في هذا النوع من التوحيد هو أن يسمى الله عز وجل ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة، لا تحريف ولا تعطيل ولا تكييفٍ ولا تمثيل.مثال ذلك: أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم، فيجب علينا أن نؤمن بأنه الحي على أنه اسمٌ من أسماء الله، ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، وسمى الله نفسه بالسميع العليم، فيجب علينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله، وبالسمع صفةً من صفاته، وبأنه يسمع وهو الحكم الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة، فإن سميعاً بلا سمع أو سمعاً بلا إدراك مسموع هذا شيءٌ محال، وعلى هذا فقس. مثالٌ آخر: قال الله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64].فهنا قال الله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، فأثبت لنفسه يدين مبسوطتين بالبسط وهو العطاء الوافر، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين في العطاء والنعم، ولكن يجب علينا ألا نحاول لا بقلوبنا وتصوراتنا ولا بألسنتنا، أن نكيف هاتين اليدين، ولا أن نمثلهما بأيدي المخلوقين؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ، ويقول الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] ، ويقول عز وجل: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].فمن مثّل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقد عصى الله تعالى في قوله: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] ، ومن كيفهما وقال: هما على كيفيةٍ معينة أياً كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لم يعلم، ووقفا ما ليس له به علم.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty رد: فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:19 am

فقه العبادات [3] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )
إن كل اسم من أسماء الله تعالى متضمن صفة له سبحانه يجب إثباتها له عز وجل من غير تكييف أو تشبيه أو تحريف، ومن خاض في تأويلها فقد ألحد في أسماء الله وصفاته، ثم إنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لغير الله كالذبح والنذر..، ومن فعل ذلك يكون قد خرج من الملة.
قواعد في باب الأسماء والصفات
المقدم: في لقاءٍ ماضٍ سألناكم سؤالاً حول أنواع التوحيد مع التوضيح بالأمثلة، وذكرتم أن أنواع التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله بالخلق والملك والتدبير، وتوحيد الألوهية وهو: إفراد الله بالعبادة، وتوحيد الأسماء والصفات وهو: إفراد الله بما سمى به نفسه، أو وصف به نفسه، أو سماه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تمثيل، والحقيقة أننا انتهينا من حلقتنا الماضية، ولكن كأننا نريد والمستمعين بيان التفصيل في القسم الأخير من أقسام التوحيد وهو توحيد الأسماء والصفات؟الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الحقيقة أن هذا النوع من التوحيد -وهو توحيد الأسماء والصفات- ينبغي أن يقال فيه القول: بأنه مهم؛ ولأن الأمة الإسلامية تفرقت فيه تفرقاً كثيراً، فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا من السلف وأتباعهم لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة:213] .تقدم لنا قاعدة في هذا النوع وهو أنه يجب علينا أن نثبت ما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات على وجه الحقيقة، من غير تحريفٍ ولا تعطيل، ولا تكييفٍ ولا تمثيل، وذكرنا أمثلة لأسماء الله عز وجل، ومثالاً لصفةٍ من صفاته وهي صفة اليدين، وذكرنا أنه يجب فيما يتعلق بالأسماء أن نثبت ما سمى الله به نفسه اسماً لله، وأن نثبت ما تضمنه من صفة وما تضمنه من حكم، -وهو الأثر- تقتضيه ذلك الصفة، وذكرنا أنه يجب علينا أن نؤمن بما وصف الله به نفسه من الصفات على وجه الحقيقة أيضاً، وذكرنا مثالاً وهو اليدان، حيث أثبت الله لنفسه يدين اثنتين وهما ثابتتان لله على وجه الحقيقة، لكن لا يجوز لنا أن نمثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين، ولا أن نتصور بقلوبنا أو ننطق بألسنتنا عن كيفية هاتين اليدين؛ لأن التمثيل تكذيبٌ لقول الله عز وجل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ، وعصيانٌ لقوله تعالى: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ [النحل:74] . وأما التكييف فهو وقوعٌ فيما حرم الله ونهى عنه؛ لأن الله يقول: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، ويقول تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36].نزيد مثالاً ثانياً في الصفات: وهو استواء الله تعالى على عرشه؛ لأن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على عرشه في سبعةٍ مواضعٍ من كتابه، كلها أتت بلفظ: استوى، وإذا رجعنا إلى الاستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى لا يقتضي إلا الارتفاع والعلو، فيكون معنى قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5]، وأمثالها من الآيات معناه: أن الله على عرشه عز وجل علواً خاصاً غير العلو العام على جميع الإخوان، وهذا العلو ثابتٍ لله تعالى على وجه الحقيقة، فهو عالٍ على عرشه علواً يليق به عز وجل، لا يشبه علو الإنسان على السرير، ولا علوه على الأنعام، ولا علوه على الفلك الذي ذكره الله في قوله: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:12-14] .فاستواء المخلوق على شيء لا يمكن أن يماثله استواء الله على عرشه؛ لأن الله ليس كمثله شيءٌ في جميع الأمور، وقد أخطأ خطأً عظيماً من قال: إن معنى استوى على العرش: استولى على العرش؛ لأن هذا تحريف للكلم عن مواضعه، ومخالفٌ لما أثنى عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان، ومتضمنٌ، ومستلزمٌ للوازم باطلة، لا يمكن للمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة إلى الله عز وجل، فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية بلا شك، كما قال تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:3]، وقال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].ومقتضى هذه الصيغة (استوى على كذا) في اللغة العربية: العلو والاستقرار، بل هو معناها المطابق للفظ، فمعنى استوى على العرش، أي: علا عليه علواً خاصاً يليق بجلاله وعظمته، فإذا فسرناه باستولى فقد حرفنا الكلم عن مواضعه، حيث أخرجنا هذا المعنى الذي تدل عليه لغة القرآن وهو العلو إلى معنى الاستيلاء، ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسانٍ مجمعون على هذا المعنى؛ إذ لم يأت عنهم حرفٌ واحد بتفسيره بخلاف ذلك، وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد عن السلف تفسيره بما يخالف ظاهره، فالأصل أنهم أبقوه على ظاهره، واعتقدوا ما يدل عليه، ولهذا لو قال لنا قائل: هل عندكم لفظ صريح بأن السلف فسروا استوى بمعنى علا؟ قلنا: نعم، ورد ذلك عن السلف، وعلى فرض أن لا يكون ورد عنهم صريحاً؛ فإن الأصل بما دل عليه اللفظ في القرآن الكريم والسنة النبوية أنه باقٍ على ما تقتضيه اللغة العربية من المعنى. أما اللوازم الباطلة التي تلزم على تفسير الاستواء بمعنى الاستيلاء، فإننا إذا تدبرنا قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، وقلنا: استوى بمعنى استولى، لزم من ذلك أن يكون العرش قبل خلق السموات والأرض ليس ملكاً لله عز وجل؛ لأنه قال: خلق ثم استوى، فإذا قلت: ثم (استولى) لزم من ذلك أن يكون العرش ليس ملكاً لله سبحانه وتعالى قبل خلق السموات والأرض، ولا حين خلق السموات والأرض، ويلزم منه أن يصح التعبير بقولنا: إن الله استوى على الأرض واستوى على أي شيءٍ من مخلوقاته، وهذا لا شك أنه معنىً باطل لا يليق بالله عز وجل.فتبين بهذا أن تفسير الاستواء بالاستيلاء فيه محظوران:أحدهما: تحريف الكلم عن مواضعه.والثاني: أن يتصف الله عز وجل بما لا يليق به. المقدم: يا شيخ أثابكم الله، عرفنا الآن أنواع التوحيد: توحيد الربوبية، والألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، كما عرفنا أشياء من الواجب تجاه هذه الأنواع، لكن نريد أيضاً أن نخصص الواجب نحو كل نوعٍ منها على حدة؟الشيخ: الواجب علينا أن نعتقد ما يتضمنه كل نوع، وأن نوحد الله عز وجل بما يقتضيه هذا النوع من المعاني. نعم.
حكم صرف شيء من أنواع العبادات لغير الله
المقدم: ما حكم صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله سبحانه وتعالى؟الشيخ: ربما يفهم الجواب مما سبق آنفاً أن قلنا: إن توحيد العبادة إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، بأن لا يتعبد أحدٌ بغير الله تعالى بشيء من أنواع العبادة، ومن المعلوم أن الذبح قربة يتقرب به الإنسان إلى ربه؛ لأن الله تعالى أمر به في قوله: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ، وكل قربةٍ فهي عبادة، فإذا ذبح الإنسان شيئاً لغير الله تعظيماً له وتذللاً وتقرباً إليه كما يتقرب بذلك ويعظم ربه عز وجل كان مشركاً بالله سبحانه وتعالى، وإذا كان مشركاً فإن الله تعالى قد بين أن المشرك حرم الله عليه الجنة، وأن مأواه النار.وبناءً على ذلك نقول: إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور -قبور الذين يزعمونهم أولياء- شركٌ مخرجٌ عن الملة، ونصيحتنا لهؤلاء: أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما صنعوا، وإذا تابوا إلى الله وجعلوا الذبح لله وحده كما يجعلون الصلاة لله وحده والصيام لله وحده، فإنه يغفر لهم ما سبق، كما قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفال:38]، بل إن الله سبحانه وتعالى يثيبهم فوق ذلك فيبدل الله سيئاتهم حسنات، كما قال الله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:68-70].فنصيحتي لهؤلاء الذين يتقربون إلى أصحاب القبور بالذبح لهم أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك، وأن يرجعوا إليه، وأن يبشروا إذا تابوا التوبة من الكريم المنان، فإن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty رد: فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:20 am

فقه العبادات [4] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الشرط الثاني: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هما مفتاح الإسلام، ولا يمكن الولوج إلى الإسلام إلا بهما، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأما الكلمة الأولى وهي شهادة أن لا إله إلا الله بأن يعترف الإنسان بلسانه وقلبه بأنه لا معبود إلا الله عز وجل؛ لأن الإله بمعنى المألوه، والتأله: التعبد، والمعنى: أنه لا معبود إلا الله تعالى وحده، وهذه الجملة تشتمل على نفي وإثبات، أما النفي ففي قوله: (لا إله)، وأما الإثبات ففي قوله: (إلا الله)، والله بدلٌ من الخبر المحذوف خبر (لا)؛ لأن التقدير لا إله حقٌ إلا الله، فهو إقرارٌ باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه لا معبود حقٌ إلا الله عز وجل، وهذا يتضمن إخلاص العبادة لله وحده، ونفي العبادة عما سواه.وبتقديرنا الخبر في هذه الكلمة حقٌ يتبين الجواب عن الإشكال الذي يورده كثير من الناس، وهو: كيف تقولون: لا إله إلا الله مع أن هناك آلهةً تعبد من دون الله سماها الله آلهة، وسماها عابدها آلهة، فقال الله تبارك وتعالى: فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ [هود:101]،وقال تعالى: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [القصص:88]؟فكيف يمكن أن نقول: لا إله إلا الله مع ثبوت الألوهية لغير الله عز وجل؟ وكيف يمكن أن نثبت الألوهية لغير الله والرسل يقولون لأقوامهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] ؟ والجواب على هذا الإشكال يتبين بتقدير الخبر في لا إله إلا الله، فنقول: هذه الآلهة التي تعبد من دون الله هي آلهة لكنها آلهة باطلة، ليست آلهة حقاً، وليس لها من حق الألوهية شيء، ويدل لذلك قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]، ويدل لذلك أيضاً قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [النجم:19-23].وقوله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ [يوسف:40] . إذاً: فمعنى لا إله إلا الله، أي: لا معبود حقٌ إلا الله عز وجل، فأما المعبودات سواه من الرسل، أو الملائكة، أو الأولياء، أو الأحجار، أو الأشجار، أو الشمس، أو القمر، أو غير ذلك فإن ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة، أي: ألوهية باطلة، بل الألوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل.
معنى شهادة أن محمداً رسول الله
المقدم: وما معنى شهادة أن محمداً رسول الله؟الشيخ: معنى شهادة أن محمداً رسول الله هو القول باللسان والإيمان بالقلب بأن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]،وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1].ومقتضى هذه الشهادة أن تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أخبر، وأن تمتثل أمره بما أمر، وأن تجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا تعبد الله إلا بما شرع.ومقتضى هذه الشهادة أيضاً: أن لا تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقاً من الربوبية، وتصريف الكون، أو حقاً بالعبادة، بل هو صلى الله عليه وسلم عبدٌ لا يعبد، ورسولٌ لا يكذب، ولا يملك لنفسه ولا غيره شيئاً من النفع والضر إلا ما شاء الله، كما قال الله تعالى: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، فهو عبدٌ مأمور يتبع ما أمر به، قال الله تعالى: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21-22]، وقال الله تعالى: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188].فهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبهذا المعنى نعلم أنه لا يستحق العبادة لا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من دونه من المخلوقين، وأن العبادة ليست إلا لله تعالى وحده، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حقه أن ننزله المنزلة التي أنزله الله تعالى وهي أنه عبد الله ورسوله.
التلازم بين أعمال القلب والجوارح
المقدم: لكن ما الفرق بين الاعتراف باللسان والقلب؟ وهل يلزم الجمع بينهما؟الشيخ: الفرق بين الاعتراف بالقلب واللسان ظاهر، فإن من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين، فالمنافقون يقول الله عنهم: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون:1] ، لكن قال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون:1] ، فهؤلاء اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم، وقد يعترف الإنسان في قلبه لكن لا ينطق به، وهذا الاعتراف لا ينفعه بالنسبة لنا ظاهراً، أما فيما بينه وبين الله فحكمه إلى الله، لكنه في الدنيا لا ينفعه، ولا يحكم بإسلامه ما دام لا ينطق بلسانه، اللهم إلا أن يكون عاجزاً عن ذلك عجزاً حسياً أو حكمياً، فقد يعامل بما يقتضيه أو بما تقتضيه حاله، فلا بد من الاعتراف بالقلب واللسان.المقدم: الذي جرنا لهذا السؤال أن هناك فريقاً من الناس الآن إذا دعي إلى العبادة قال: إن الله رب القلوب، هذا الذي نريد أيضاً التعليق عليه؟الشيخ: نحن نقول: إن الله تعالى رب القلوب والألسن، وليس رب القلوب فقط، والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)، وهذا الحديث يفسد كل دعوىً يدعيها بعض الناس إذا نصحته في أمرٍ من الأمور مما أتى الله به، قال لك: التقوى هاهنا، وهي كلمة حق أريد بها باطل، والكلمة قد تكون حقاً في مدلولها العام لكن يريد بها القائل أو المتكلم معنىً باطلاً، ألا ترى إلى قول الله تعالى: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ [الأنعام:148]، فهم قالوا: لو شاء الله ما أشركنا، وصدقوا فيما قالوا: ولو شاء الله ما أشركوا، ولكنهم لا يريدون بهذه الكلمة حقاً بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم، ورفع العقوبة عنهم؛ ولهذا قال الله تعالى: كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا [الأنعام:148]، فلن ينفعهم الاحتجاج بالقدر حين أرادوا به الاستمرار على شركهم ورفع اللوم عنهم والعقوبة، أما الواقع فإنه كما قالوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا [الأنعام:148]، كما قال الله تعالى لنبيه: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:106-107].لكن هناك فرق بين الحالين، فالله قال لنبيه: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا [الأنعام:107] ليبين أن شركهم ماض بمشيئته، وأن له حكمة سبحانه وتعالى في وقوع الشرك منهم؛ وليسلي نبيه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الأمر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى، فالمهم أن هذا الذي قال فيما نصحته: (التقوى هاهنا) قال كلمة حق لكنه أراد بها باطلاً، فالذي قال: ( التقوى هاهنا ) هو النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الذي قال: التقوى هاهنا هو الذي قال: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله)، فإذا كان في القلب تقوى لزم أن يكون في جوارحه تقوى، والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن.
مفهوم الإيمان
المقدم: نريد أن نعرف الإيمان المنقوص والتام ولو بصورةٍ مختصرة؟الشيخ: الإيمان له مفهومان: مفهومٌ لغوي: وهو الإقرار بالشيء والتصديق به، ومفهومٌ شرعي وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، فلا يكفي في الشرع أن يقر الإنسان بما يجب الإيمان به حتى يكون قابلاً ومذعناً، فمثلاً: لو أقر الإنسان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرف أنه رسول الله لكن لم يقبل ما جاء به ولم يذعن لأمره، فإنه ليس بمؤمن، ولهذا يوجد من المشركين من اعترفوا وأقروا للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة لكنهم لم ينقادوا له ولم يسلموا، بل بقوا على دين قومهم، فلم ينفعهم هذا الإقرار المجرد عن القبول والإذعان، فالإيمان في الشرع أخص من الإيمان في اللغة، وقد يكون الإيمان في الشرع أعم من الإيمان في اللغة، فالصلاة مثلاً من الإيمان شرعاً، كما قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة:143]، أي: صلاتكم إلى بيت المقدس، لكنها في اللغة لا تسمى إيماناً؛ لأنها عملٌ ظاهر، والإيمان في اللغة من الأمور الباطنة فإذا أردنا أن نعرف الإيمان الشرعي نقول فيه: هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، فإن لم يكن مستلزماً لذلك فليس بإيمان شرعاً.المقدم: لكن هذا المفهوم أيضاً هل هو المفهوم الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؟الشيخ: نعم؛ لأن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله الحقيقي يستلزم القبول والإذعان، فمن قال: إنه مؤمنٌ بالله وملائكته وكتبه ورسله ولكن لم يقبل ولم يذعن لم ينفعه هذا القول ولا الإيمان بقلبه أيضاً، لا بد أن يقبل ويذعن.المقدم: لكن إذا سئل الإنسان عن الإيمان هل يقول: هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، أم يقول: هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله؟الشيخ: نحن نقول: القبول والإذعان، وإذا قلنا بهذا وأردنا أن نفصل نقول: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ثم إن تفسير الإيمان الذي أشرنا إليه يشمل الدين كله. المقدم: نعم، إذاً نجعل التفصيل إن شاء الله في الحلقة القادمة حتى يتسع المقام، شكراً أثابكم الله.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty رد: فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:22 am

فقه العبادات [5] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )
بقي في الركن الثاني وهو الإيمان بالملائكة: أن الإيمان بالملائكة عليهم الصلاة والسلام يكون إجمالاً ويكون تفصيلاً، فما علمناه بعينه وجب علينا أن نؤمن به بعينه ونخصص، نقول: نؤمن بالله، نؤمن بجبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، ومالك خازن النار وما أشبه ذلك، وما لم نعلمه بعينه فإننا نؤمن به إجمالاً، فنؤمن بالملائكة على سبيل العموم.والملائكة عددٌ كبير لا يحصيهم إلا الله عز وجل، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (في البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه )، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنه: ( ما من موضع أربع أصابع في السماء إلا وفيه ملكٌ قائم لله أو راكعٌ أو ساجد)، ولكننا لا نعلم أعيانهم ووظائفهم وأعمالهم إلا ما جاء به الشرع، فما جاء به الشرع على وجه التفصيل من أحوالهم وأعمالهم ووظائفهم وجب علينا أن نؤمن به على سبيل التفصيل، وما لم يأت على سبيل التفصيل فإننا نؤمن به إجمالاً، وهؤلاء الملائكة الذين لهم من القدرة والقوة ما ليس للبشر من آيات الله عز وجل، فيكون الإيمان بهم إيماناً بالله سبحانه وتعالى وبقدرته العظيمة، وعلينا أن نحب هؤلاء الملائكة؛ لأنهم مؤمنون؛ ولأنهم قائمون بأمر الله عز وجل، ومن كان عدواً لأحد منهم فإنه كافر، كما قال الله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة:98]، وقال تعالى: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ [البقرة:97]. فالمهم أن هؤلاء الملائكة عليهم الصلاة والسلام علينا أن نحبهم؛ لأنهم عباد لله تعالى قائمون بأمره، وألا نعادي أحداً منهم.
الإيمان بالكتب
المقدم: بقي الركن الثالث من أركان الإيمان؟ الشيخ: الركن الثالث: هو الإيمان بكتب الله عز وجل التي أنزلها على رسله عليهم الصلاة والسلام، فإن ظاهر القرآن يدل على أنه ما من رسول إلا وأنزل الله معه كتاباً، كما قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد:25]، وقال تعالى: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ [البقرة:213] .هذه الكتب طريق الإيمان بها أن نؤمن بها إجمالاً، وما علمناه بعينه نؤمن به بعينه، فالتوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى والقرآن الكريم هذه معلومةٌ لنا بعينها، فنؤمن بها بعينها، وما عدا ذلك نؤمن به إجمالاً؛ لأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولكن كيف نؤمن بهذه الكتب؟نقول: ما صحّ نقله منها إلينا من الأخبار وجب علينا تصديقه بكل حال؛ لأنه من عند الله، وأما ما تضمنته هذه الكتب من الأحكام فلا يلزمنا العمل إلا بما جاء في القرآن الكريم، وأما ما نقل إلينا منها ولم نعلم صحته فإننا نتوقف فيه حتى يتبين لنا صحته؛ لأن هذه الكتب دخلها التحريف والتبديل والتغيير والزيادة والنقص.
الإيمان بالرسل
المقدم: هذا بالنسبة للركن الثالث والركن الرابع..الشيخ: الإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام أن نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسلاً منهم يتلون عليهم آيات الله ويزكونهم، وأن هؤلاء الرسل أولهم نوح عليه الصلاة والسلام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأما قبل نوح فلم يُبعث رسول، ولهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا: إن إدريس عليه الصلاة والسلام كان قبل نوح؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163] ، وفي الحديث الصحيح في قصة الشفاعة: (أن الناس يأتون إلى نوح، فيقولون له: أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض)، فلا رسول قبل نوح، ولا رسول بعد محمد صلى الله عليه وسلم؛ لقول الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40]، فأما نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان فإنه لا ينزل على أنه رسول مجدد بل ينزل على أنه حاكمٌ بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الواجب على عيسى وعلى غيره من الأنبياء الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ [آل عمران:81]، وهذا الرسول المصدقٌ لما معهم هو محمد صلى الله عليه وسلم كما صحّ ذلك عن ابن عباس وغيره.فالمهم أن نؤمن بالرسل على هذا الوجه، بأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم. وكيفية الإيمان بهم: أن ما جاء من أخبارهم وصحّ عنهم نؤمن به ونصدق؛ لأنه من عند الله عز وجل. وأما الأحكام فلا يلزمنا اتباع شيءٍ منها إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وما اقتضته الشريعة.أما بالنسبة لأعيان هؤلاء الرسل فمن سماه الله لنا أو سماه رسوله صلى الله عليه وسلم وجب علينا الإيمان به بعينه، وما لم يسم فإننا نؤمن به على سبيل الإجمال كما قلنا ذلك في الكتب وفي الملائكة.
الإيمان باليوم الآخر
المقدم: كيف يكون الإيمان بالركن الخامس وهو اليوم الآخر؟ الشيخ: الإيمان باليوم الآخر يعني: الإيمان بقيام الساعة، وسمي يوماً آخراً؛ لأنه ليس بعده يوم، فإن الإنسان كان عدماً، ثم وجد في بطن أمه، ثم وجد في الدنيا، ثم ينتقل إلى البرزخ، ثم يوم القيامة، فهذه أحوالٌ خمسة للإنسان، هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1] هذه الحالة الأولى: أنه ليس شيئاً مذكوراً، ثم وجد في بطن أمه، ثم خرج وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا [النحل:78]، ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل، ثم ينتقل إلى الآخرة في برزخٍ بين الدنيا وقيام الساعة.فالإيمان باليوم الآخر يدخل فيه كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في العقيدة الواسطية: الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمن الإنسان بفتنة القبر، ونعيم القبر وعذابه، وفي قيام الساعة بالنفخ في الصور، وبالحساب، وبالميزان، وبالحوض المورود وغيره، وبكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم إما في كتاب الله أو في سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، مما يكون بعد الموت.ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر، وهي أن الميت إذا دفن أتاه ملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فأما المؤمن فيثبته الله تعالى بالقول الثابت، فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، وأما الكافر فإنه يقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته، ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذابٌ إلى يوم القيامة، فمن كان من غير المسلمين فهو في عذاب إلى يوم القيامة، ومن كان من عصاة المؤمنين فإنه قد يعذب في قبره مدة يعلمها الله عز وجل ثم يرفع عنه العذاب، وهذا العذاب أو النعيم يكون في الأصل على الروح، ولكن قد يتألم البدن به، كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن وقد تتألم النفس فيه، ففي الدنيا مثلاً الضرب يقع على البدن والألم يقع على البدن، والنفس قد تتأثر بذلك وتحزن وتغتم، أما في القبر فالأمر بالعكس، العذاب أو النعيم يكون على الروح، لكن البدن لا شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم، إما بالفرح والنعيم، وإما بالحزن بالعذاب.أما إذا قامت الساعة وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون من قبورهم إلى رب العالمين حفاةً عراةً غرلاً، حفاة ليس عليهم ما يقي أقدامهم من نعالٍ أو حفاة أو غيرها، عراة ليس على أبدانهم ما يكسوها. غرلاً أي: غير مختونين، فتعود الجلدة التي قطعت بالختان في الدنيا ليخرج الإنسان من قبره تاماً لا نقص فيه، كما قال الله تعالى: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ [الأنبياء:104] ، ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار، فمن دخل الجنة فهو مخلدٌ فيها أبد الآبدين، ومن دخل النار فإن كان من العصاة فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق إن لم تنله الشفاعة أو رحمة الله عز وجل، ولكنه لا يخلد فيها، وأما الكافر فإنه يخلد فيها أبد الآبدين.المقدم: شكراً، أثابكم الله. الحقيقة بقي الركن السادس، لكن لعله يكون أول لقائنا القادم ونتحدث عنه طويلاً إن شاء الله. بهذا أيها السادة نأتي على نهاية لقائنا هذا الذي استضفنا فيه فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الأستاذ في فرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في القصيم، وإمام وخطيب الجامع الكبير بمدينة عنيزة، شكراً للشيخ محمد ، وشكراً لكم أيها السادة، وإلى أن نلتقي بحضراتكم نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty رد: فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:24 am

فقه العبادات [6] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن الإيمان، والإيمان بالقدر أمرٌ هامٌ جداً، وقد تنازع الناس في القدر من زمنٍ بعيد، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان الناس يتنازعون فيه، ويتمارون فيه، وإلى يومنا هذا والناس كذلك يتنازعون فيه، ولكن الحق فيه -ولله الحمد- واضح بينَّ، لا يحتاج إلى نزاع ومراء. فالإيمان بالقدر: أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد قدّر كل شيء، كما قال الله تعالى: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان:2] ، وهذا التقدير الذي قدره الله عز وجل تابعٌ لحكمته، وما تقتضيه هذه الحكمة من غاياتٍ حميدة، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم.
مراتب القدر
ويدور الإيمان بالقدر على الإيمان بأمورٍ أربعة:أحدها: العلم، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيءٍ علماً، مما مضى ومما هو حاضر ومما هو مستقبل، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله عز وجل، أو بأفعال عباده، فهو محيطٌ بها جملةً وتفصيلاً بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة، قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ [آل عمران:5]، وقال الله تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59]، وقال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق:16]، وقال تعالى: وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [البقرة:283] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى في كل شيء جملةً وتفصيلاً.وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر من أنكرها فهو كافر؛ لأنه مكذبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، وطاعنٌ في كمال الله عز وجل؛ لأن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان، وكلاهما عيب، وقد قال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله فرعون: فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى * قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:51-52]، فهو لا يضل، أي: لا يجهل شيئاً مستقبلاً، ولا ينسى شيئاً ماضياً سبحانه وتعالى.أما المرتبة الثانية فهي: الإيمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة؛ لأن الله عز وجل لما خلق القلم قال له: (اكتب، قال: رب! وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن )، فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة جملة وتفصيلاً، فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء.وقد دلّ على هذه المرتبة والتي قبلها قوله تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحج:70]، قال: (إن ذلك في كتاب) أي: معلوم لله عز وجل (في كتاب) وهو المحفوظ، (إن ذلك على الله يسير). ثم هذه الكتابة تكون أيضاً مفصلة أحياناً، فإن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر يبعث عليه ملك فيؤمر بأربع كلمات: (بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد) كما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة، كما قال الله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [الدخان:3-5].أما المرتبة الثالثة: فالإيمان بأن كل ما في الكون فإنه بمشيئة الله، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل، سواءٌ كان ذلك مما يفعله هو عز وجل أو مما يفعله المخلوق، قال الله تبارك وتعالى: وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ [إبراهيم:27]، وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [النحل:9]، وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً [هود:118]، وقال تعالى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ [فاطر:16] إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله عز وجل واقع بمشيئته، وكذلك أفعال الخلق واقعةٌ بمشيئته، كما قال الله تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة:253]، وهذا نصٌ صريح في أن أفعال العبد قد شاءها الله عز وجل، ولو شاء الله ألا يفعل لم يفعل.أما المرتبة الرابعة في الإيمان بالقدر: فهي الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، فالله عز وجل هو الخالق وما سواه مخلوق، فكل شيءٍ فالله تعالى خالقه، فالمخلوقات مخلوقة لله عز وجل، وما يصدر منها من أفعالٍ وأقوال مخلوق لله عز وجل أيضاً؛ لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته، فإذا كان الإنسان مخلوقاً كانت صفاته أيضاً مخلوقة لله عز وجل، ويدل لذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فنص الله تعالى على خلق الإنسان وعلى خلق عمله، قال: وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، وقد اختلف الناس في (ما) هنا: هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله عز وجل.هذه أربعة مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها، ونعيدها فنقول:أولاً: أن تؤمن بأن الله تعالى عليمٌ بكل شيء جملةً وتفصيلاً. ثانياً: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء. ثالثاً: أن تؤمن بأن كل شيء حادثٌ فهو بمشيئة الله عز وجل. رابعاً: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لكل شيء.فإذا تم الإيمان بهذه المراتب الأربع فقد حقق الإنسان الإيمان بالقدر.
القدر لا ينافي فعل الأسباب
ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافيه فعل الأسباب، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع وهو حاصل بالقدر؛ لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة رضي الله عنهم: هل يستمر ويمضي في سيره أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح وكان عمر رضي الله عنه يجله ويقدره، فقال: يا أمير المؤمنين! كيف ترجع إلى المدينة، أفرارٌ من قدر الله؟ قال رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائباً في حاجةٍ له، فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن الطاعون: (إذا سمعتم به في أرضٍ فلا تقدموا عليه) ، الحاصل قول عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله، فهذا يدل على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله عز وجل، ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا سأؤمن بقدر الله، وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة، لو قال هذا لعدّ من المجانين، كما أنه لو قال: أنا أؤمن بقدر الله ولن أسع في طلب الرزق، ولم يتخذ أي سببٍ للرزق لعدّ ذلك من السّفه.إذاً: الإيمان بالقدر لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها.
الاحتجاج بالقدر على المعصية
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكالٌ وليس بإشكال في الواقع، وهو أن يقول قائل: إذا كان الفعل من قدر الله عز وجل فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل؟والجواب على ذلك أن يقال: لا حجة لك على المعصية بقدر الله؛ لأن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية، وأنت حين تقدم عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرةٌ عليك؛ لأن الإنسان لا يعلم ما هو مقدور إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية؟ لماذا لم تقدر أن الله قدّر لك الطاعة فتقوم بطاعته؟ وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير، وتهرب مما ترى أنه شر، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة؟أنا لا أعتقد أن أحداً يقال له: إن لمكة طريقين: أحدهما: طريقٌ مأمونٌ ميسر، والثانية: طريقٌ مخوف صعب، لا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق المخوف الصعب، ويقول: إن هذا قد قدر لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك: إن للجنة طريقاً وللنار طريقاً، فإنك إذا سلكت طريق النار فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر، وأنت بنفسك تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم وتدع طريق النعيم، ولو كان للإنسان حجة بالقدر على فعل المعصية لم تنتف هذه الحجة في إرسال الرسل، وقد قال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165].

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )  Empty رد: فقه العبادات [2] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

مُساهمة من طرف Admin الإثنين أغسطس 18, 2014 9:25 am

فقه العبادات [7] - للشيخ : ( محمد بن صالح العثيمين )

أما بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصانه، فإن الإيمان عند أهل السنة والجماعة هو الإقرار بالقلب، والنطق باللسان، والعمل بالجوارح، فهو يتضمن هذه الأمور الثلاثة:وإذا كان كذلك فإنه سوف يزيد وينقص؛ وذلك لأن الإقرار بالقلب يتفاضل، فليس الإقرار بالخبر كالإقرار بالمعاينة، وليس الإقرار بخبر الرجل كالإقرار بخبر الرجلين وهكذا؛ ولهذا قال إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]، فالإيمان يزيد من حيث الإقرار: إقرار القلب وطمأنينته وسكونه، والإنسان يجد ذلك من نفسه، فعندما يحضر مجلس ذكر فيه موعظة وذكر للجنة والنار يزداد إيماناً حتى كأنه يشاهد ذلك رأي عين، وعندما تكون غفلة ويقوم من هذا المجلس يخف هذا اليقين في قلبه.كذلك يزداد الإيمان من حيث القول، فإن من ذكر الله عز وجل عشر مرات ليس كمن ذكر الله مائة مرة، الثاني أزيد بكثير، وكذلك أيضاً من أتى بالعبادة على وجهٍ كامل يكون إيمانه أزيد ممن أتى بها على وجهٍ ناقص.وكذلك العمل، فإن الإنسان إذا عمل عملاً بجوارحه أكثر من الآخر صار الثاني أزيد إيماناً من الناقص.
أدلة زيادة الإيمان ونقصانه
وقد جاء ذلك في القرآن والسنة أعني: إثبات الزيادة والنقصان، قال الله تبارك وتعالى: وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31]، وقال الله تعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125] . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)، فالإيمان -إذاً- يزيد وينقص.
أسباب زيادة الإيمان
لكن ما سبب الزيادة؟السبب الأول: معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته، فإن الإنسان كلما ازداد معرفةً بالله وبأسمائه وصفاته ازداد إيماناً بلا شك؛ ولهذا فإن أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما لا يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيماناً من الآخرين من هذا الوجه. السبب الثاني: النظر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن الإنسان كلما نظر إلى الآيات الكونية التي هي المخلوقات السموات والأرض والإنسان والبهيمة وغير ذلك ازداد إيماناً، قال الله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21]، والآيات الدالة على أن الإنسان بتدبره وتأمله في هذا الكون يزداد إيماناً كثيرة.السبب الثالث: كثرة الطاعات، فإن الإنسان كلما كثرت طاعاته ازداد بذلك إيماناً، سواءٌ كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية أو الفعلية، فالذكر يزيد الإيمان كميةً وكيفية، والصلاة والصوم والحج يزيد الإيمان أيضاً كميةً وكيفية.
أسباب نقص الإيمان
أما سبب النقصان فإنه على العكس من ذلك، فالجهل بأسماء الله وصفاته موجب لنقص الإيمان؛ لأن الإنسان ينقصه إذا لم يعرف أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه الأسماء والصفات التي تزيد في الإيمان.السبب الثاني: الإعراض عن التفكر في آيات الله الكونية والشرعية، فإن هذا يسبب نقص الإيمان، أو على الأقل ركوده.السبب الثالث: فعل المعصية، فإن للمعصية آثاراً عظيمة على القلب والجوارح؛ ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن).السبب الرابع: ترك الطاعة، فإن ترك الطاعة سببٌ لنقص الإيمان، لكن إن كانت الطاعة واجبة وتركها بلا عذر فهو نقصٌ يلام عليه ويعاقب، وإن كانت الطاعة غير واجبة أو واجبة لكن تركها لعذر فإنه نقصٌ لا يلام عليه؛ ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم النساء ناقصات عقلٍ ودين، وعلّل نقصان دينها بأنها إذا حاضت لم تصل ولم تصم، مع أنها لا تلام على ترك الصلاة والصيام في حال الحيض، بل هي مأمورةٌ بذلك، لكن لما فاتها الفعل الذي يقوم به الرجل صارت ناقصة عن الرجل من هذا الوجه.
الرد على من ينكر زيادة الإيمان ونقصانه
المقدم: بالنسبة لزيادة الإيمان ونقصه هناك من يرى أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن المعصية تكذيب الإيمان، ويكفر الإنسان، كيف يرد على هؤلاء؟ الشيخ: نرد على هؤلاء بما أشرنا إليه من قبل من نصوص الكتاب والسنة والواقع، فإننا نقول لهم: أنتم الآن لو أتاكم مخبر وقال: إن فلاناً قدم البلد اليوم، وهذا المخبر عندكم ثقة، يكون لديكم الإيمان بأنه قدم، فإذا جاء رجلٌ آخر وأخبركم بذلك أفلا يزداد إيمانكم به؟ سيقولون: بلى، يزداد إيماننا بذلك، فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ازدتم يقيناً أكثر، وهذا أمرٌ لا ينكره أحد، ثم نقول: ما دمنا أدخلنا الأقوال والأعمال في مسمى الإيمان فإن اختلاف الأقوال والأعمال بالزيادة والنقص أمرٌ معلوم لا ينكر، فيكون في هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص.المقدم: لكن حكم عدم الإقرار بزيادة الإيمان ونقصانه؟ الشيخ: هذا يرجع إلى حال المنكر، إن كان أنكر ذلك تكذيباً وجحداً فهو كافر بتكذيبه وجحده لما جاء في القرآن، وإن كان تأويلاً فإن التأويل له درجات قد يصل إلى الكفر وقد لا يصل، فالإنسان الذي يقول: أنا لا أقول: إن الإيمان يزيد وينقص متأولاً، فإنه على حسب التأويل.

Admin
Admin

عدد المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 18/08/2014

https://maaref.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى